الفتاوى الكبرى لشيخ الاسلام
ابن تيمية
- الجزء الأول
المجلد الأول
المسألة الأولى
...
(مسألة 1:) في رجل يصلي يشوش على الصفوف الذي حواليه بالجهر بالنية، وأنكروا
عليه مرة ولم يرجع. وقال له إنسان: هذا الذي تفعله ما
هو من دين الله، وأنت مخالف فيه السنة، فقال: هذا دين الله الذي بعث به
رسله، ويجب على كل مسلم أن يفعل هذا، وكذلك تلاوة القرآن يجهر
بها خلف الإمام، فهل هكذا كان يفعل رسوله الله صلى الله عليه وسلم أو
أحد من الصحابة؟ أو أحد من الأئمة الأربعة أو من علماء المسلمين؟
فإذا كان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء يعملون
هذا في الصلاة، فما يجب على من ينسب هذا إليهم وهو يعمله، فهل
يحل للمسلم أن يعينه بكلمة واحدة إذا عمل هذا ونبسه إلى أنه من الدين،
ويقول للمنكرين عليه كل من يعمل في دينه ما يشتهى وإنكاركم على
جهل، وهل هم مصيبون في ذلك أم لا؟
الجواب: الحمد لله الجهر بلفظ النِّيَّة ليس مشروعاً عند أحدٍ من علماء
المسلمين ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحدٌ من خلفائه
وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها ومن ادَّعى أنَّ ذلك دين الله وأنه واجب فإنه
يجب تعريفه الشريعة واستتابته من هذا القول فإن أصرَّ على ذلك قتل
بل النية الواجبة في العبادات كالوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة
وغير ذلك محلها القلب باتفاق أئمة المسلمين.
والنية هي: القصد والإرادة والقصد والإرادة محلهما القلب دون اللسان باتفاق
العقلاء فلو نوى بقلبه صحت نيته عند الأئمة الأربعة وسائر أئمة
المسلمين من الأوَّلين والآخرين وليس في ذلك خلاف عند من يُقْتدى به ويُفْتَى
بقوله ولكن بعض
المتأخِّرين من أتباع الأئمة زعم أنَّ اللَّفظ بالنيَّة واجب ولم يقل
إنَّ الجهر بها واجب ومع هذا فهذا القول خطأٌ صريح مخالفٌ لإجماع المسلمين
ولما عُلِمَ بالاضْطرار من دين الإسلام عند من يعلم سُنَّة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه وكيف كان يصلِّي الصحابة والتابعون فإنّ
كلّ من يعلم ذلك يعلم أنهم لم يكونوا يتلفظون بالنية ولا أمرهم النبي
صلى الله عليه وسلم بذلك ولا عَلَّمَهُ لأحدٍ من الصحابة.
بل قد ثبت في الصَّحيحين وغيرهما: أنَّه قال للأعرابي -المسيء في صلاته-:
"إذا قمت إلى الصلاة فكبّر ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن" وفي
السُّنن عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "مفتاح الصلاة الطهور
وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله
عنها-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير
والقراءة بالحمد لله رب العالمين".
وقد ثبت بالنقل المتواتر وإجماع المسلمين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم
والصحابة كانوا يفتتحون الصلاة بالتكبير ولم ينقل مسلم لا عن النبي
صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنه قد تلفظ قبل التكبير بلفظ
النية لا سرّاً ولا جهراً ولا أنَّه أمر بذلك ومن المعلوم أن الهمم
والدواعي متوفرة على نقل ذلك لو كان ذلك وأنَّه يمتنع على أهل التواتر
عادة وشرعاً كتمان نقل ذلك فإذا لم ينقله أحد علم قطعاً أنه لم يكن.
ولهذا يتنازع الفقهاء المتأخرون في اللفظ بالنية: هل هو مستحب مع النية
التي في القلب فاستحبه طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
قالوا لأنه أوكد وأتم تحقيقاً للنية ولم يستحبه طائفة من أصحاب مالك وأحمد
وغيرهما وهو المنصوص عن أحمد وغيره بل رأوا أنه بدعة
مكروهة. قالوا: لو أنه كان مستحَبّاً لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو لأمر به فإنه صلى الله عليه وسلم قد بين كل ما يقرب إلى الله لا
سيما الصلاة التي لا تُؤْخذ صفتها إلاّ عنه وقد ثبت عنه في الصحيح أنه
قال: صلوا كما رأيتموني أصلي. قال هؤلاء: فزيادة هذا وأمثاله في صفة
الصلاة بمنزلة سائر الزيادات المحدثة في العبادات كمن زاد في العيدين:
الأذان
والإقامة ومن زاد في السَّعْي صلاة ركعتين على الْمَروَة وأمثال ذلك.
قالوا: وأيضاً فإن التلفظ بالنية فاسد في العقل فإنَّ قول القائل: أنْوي
أن أفعل كذا وكذا بمنزلة قوله: أنوي آكل هذا الطعام لأشبع وأنوي ألبس هذا
الثوب لأسْتتر وأمثال ذلك من النيات الموجودة في القلب التي يُسْتَقبح
النُّطْق بها وقد قال الله تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} الحجرات: 16
وقال طائفةٌ من السَّلف في قوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}
الإنسان: 9 قالوا: لم يقولوه بألسنتهم وإنما علمه الله من قلوبهم فأخبر به عنهم.
وبالجملة فلا بُدَّ من النية في القلب بلا نزاع وأما التلفظ بها سراً
فهل يكره أو يستحب فيه نزاع بين المتأخرين وأما الجهر بها فهو مكروهٌ منهيٌ
عنه غير مشروع باتفاق المسلمين وكذلك تكريرها أشد وأشدُّ.
وسواء في ذلك الإمام والمأموم والمنفرد فكل هؤلاء لا يشرع لأحد منهم أن
يجهر بلفظ النية ولا يكررها باتفاق المسلمين بل ينهون عن ذلك بل
جَهْر المنفرد بالقراءة إذا كان فيه أذىً لغيره لم يُشْرع كما خرج النبي
صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يصلون فقال: "أيها الناس! كلكم
يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة" وأما المأموم فالسنة
له المخافتة باتفاق المسلمين لكن إذا جهر أحياناً بشيء من الذِّكر فلا بأس
كالإمام إذا أسمعهم أحياناً الآية في صلاة السر فقد ثبت في الصحيح عن
أبي قتادة: أنه أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان في صلاة
الظهر والعصر يُسْمعهم الآية أحياناً.
وثبت في الصحيح: أن من الصحابة المأمومين من جهر بدعاء حين افتتاح الصلاة
وعند رفع رأسه من الركوع ولم يُنْكِر النبي صلى الله عليه
وسلم ذلك.
ومن أصرَّ على فعل شيء من البِدَعِ وتحسينها فإنه ينبغي أن يُعَزَّرَ
تعزيراً يَرْدعه وأمثاله عن مثل ذلك ومن نَسَبَ إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم الباطلَ خطأً فإنه يُعَرَّف فإن لم ينته عوقب ولا يَحِلُّ لأحدٍ
أن يتكلم في الدين بلا علم ولا يعين من تكلم في الدِّين بلا علم أو أدخل في الدين ما
ليس منه.
وأمَّا قول القائل: كُلٌّ يعمل في دينه الذي يشتهي فهي كلمة عظيمة يجب
أن يُسْتتاب منها وإلاَّ عوقب بل الإصرار على مثل هذه الكلمة يوجب القتل
فليس لأحد أن يعمل في الدين إلا ما شرعه الله ورسوله دون ما
يشتهيه ويهواه قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ
بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} القصص: 50 وقال تعالى: {وإن كثيراً وَإِنَّ كَثِيراً
لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ
بِغَيْرِ عِلْمٍ} الأنعام: 119 {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ص: 26 وقال: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا
مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ
سَوَاءِ السَّبِيلِ} المائدة: 77 وقال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ
إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ
يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا
كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} الفرقان: 43 وقال تعالى:
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا
قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} النساء: 65.
وقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن
أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا
بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا
إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ
وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ
يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} النساء: 60 وقال
تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ
يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} الشورى: 21 وقال تعالى: {المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا
يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ
لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ
مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}
الأعراف: 123 وقال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ
أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}
المؤمنون: 71 وأمثال هذا في القرآن كثير.
فتبين أن على العبد أن يتَّبِعَ الحق الذي بعث الله ُ به رسولَه ولا يجعل
دينه تبعاً لهواه و الله أعلم.
اداب,تعاليم ,اداب الاسلام ,الامة الاسلامية ,الاسلام, كرتون اسلامي, كرتون ,اذكار, ادعيه ,احاديث ,احايث قدسية ,تفسير ,الطفل المسلم ,الطفل ,فيديو اسلامي رمضان , محمد حسان ,الشيخ محمد حسان
خطب محمد حسان للتحميل ,استماع خطب الشيخ محمد حسان ,محمد حسان خطب ,اناشيد محمد حسان mp3 ,محمد حسان قصص ,محمد حسان تفسير ,محمد حسان تحميل ,محمد حسان محاضرات ,قران للشيخ محمد حسان ,محمد حسان قران ,محمد حسان خطبة الجمعة ,خطب الشيخ محمد حسان ,محمد حسان قصص ,تفسير سورة الكهف محمد حسان ,كتاب احداث النهايه للشيخ محمد حسان ,محمد حسان تفسير ,تفسير سورة النور للشيخ محمد حسان ,القران الكريم الشيخ محمد حسان ,قصص للشيخ محمد حسان ,محمد حسان قصص ,محمد حسان احداث مصر ,محمد حسان قران ,محمد حسان احداث ,محمد حسان عذاب , وتيوب اسلامي الشيخ محمد حسان اخبار الشيخ محمد حسان ,تفسير القران الكريم للشيخ محمد حسان ,اخبار محمد حسان ,محمد حسان يوتيوب ,احداث النهاية محمد حسان ,محمد حسان محاضرات ,خطبة الجمعة الماضية للشيخ محمد حسان ,محمد حسان تحميل ,تحميل احداث النهاية محمد حسان ,ادعية بصوت الشيخ محمد حسان ,ادعية محمد ,دعاء الشيخ محمد حسان mp3 ,
الفتوي,فتوي ,الفتوي الديننيه, اسلاميات,صوتيات اسلامية,اسلام,
الإفتاء, عن فتوى ,فتاوى,الفتوى ,فتوى ,موقع فتوي ,فتوي الازهر ,فتوي ابن باز ,فتوي رمضان ,فتوي القرضاوي ,الامة الاسلامية ,اسلاميات, ابن تيمية, فتاوي ابن تيمية, الفتاوي الكبري, الفتاوي الكبري بن تيمية,تيمية,مجموعة الفتاوي, شيخ الاسلام,فتاوي شيخ الاسلام
خطب محمد حسان للتحميل ,استماع خطب الشيخ محمد حسان ,محمد حسان خطب ,اناشيد محمد حسان mp3 ,محمد حسان قصص ,محمد حسان تفسير ,محمد حسان تحميل ,محمد حسان محاضرات ,قران للشيخ محمد حسان ,محمد حسان قران ,محمد حسان خطبة الجمعة ,خطب الشيخ محمد حسان ,محمد حسان قصص ,تفسير سورة الكهف محمد حسان ,كتاب احداث النهايه للشيخ محمد حسان ,محمد حسان تفسير ,تفسير سورة النور للشيخ محمد حسان ,القران الكريم الشيخ محمد حسان ,قصص للشيخ محمد حسان ,محمد حسان قصص ,محمد حسان احداث مصر ,محمد حسان قران ,محمد حسان احداث ,محمد حسان عذاب , وتيوب اسلامي الشيخ محمد حسان اخبار الشيخ محمد حسان ,تفسير القران الكريم للشيخ محمد حسان ,اخبار محمد حسان ,محمد حسان يوتيوب ,احداث النهاية محمد حسان ,محمد حسان محاضرات ,خطبة الجمعة الماضية للشيخ محمد حسان ,محمد حسان تحميل ,تحميل احداث النهاية محمد حسان ,ادعية بصوت الشيخ محمد حسان ,ادعية محمد ,دعاء الشيخ محمد حسان mp3 ,
الفتوي,فتوي ,الفتوي الديننيه, اسلاميات,صوتيات اسلامية,اسلام,
الإفتاء, عن فتوى ,فتاوى,الفتوى ,فتوى ,موقع فتوي ,فتوي الازهر ,فتوي ابن باز ,فتوي رمضان ,فتوي القرضاوي ,الامة الاسلامية ,اسلاميات, ابن تيمية, فتاوي ابن تيمية, الفتاوي الكبري, الفتاوي الكبري بن تيمية,تيمية,مجموعة الفتاوي, شيخ الاسلام,فتاوي شيخ الاسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تذكر قول الله تعالي ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد